-A +A
صالح العلياني (هاتفيا، لندن)

أكد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى المملكة المتحدة أن السفارة تعمل على خدمة المواطن دون فضل أو منة، بما يحقق توجيهات خادم الحرمين بالعناية والاهتمام بشؤون السعوديين في الخارج.

وفيما تحدث عن التحديات التي تواجه المبتعثين، والمشكلات التي أعقبت قرار السلطات المحلية في لندن بسحب التراخيص من بعض الجامعات.. لخص الأمير محمد بن نواف المشكلات الأمنية التي تواجه السياح السعوديين هناك في تعرضهم للسرقة، مشيرا إلى خلو ملفات المبتعثين من القضايا الأمنية

ووصف العلاقات التي تربط المملكتين بالتاريخية والفعالة، وقال إن تطورها ينعكس إيجابا على العالم أجمع، لا على البلدين فحسب.. فإلى تفاصيل الحوار :





• تزايد أعداد المبتعثين إلى المملكة المتحدة إلى نحو 20 ألف طالب سعودي، يجعل السفارة أمام تحد كبير لتعزيز خدماتها بما يتواءم مع هذا الحجم.. فماذا عن ذلك سمو السفير؟

أولا تعتز سفارة المملكة بكونها البيت الكبير الذي يحتضن السعوديين في المملكة المتحدة، وعندما أقول البيت الكبير فهذا ترجمة حقيقية لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسفرائه بأن يحظى المواطن بكل العناية والاهتمام. ولذلك، فإن أبواب السفارة مفتوحة أمام المواطنين وكذلك مكتبي. فالسفارة عندما تعتني بالمواطنين فإنما هي تقوم بجزء مهم من مسؤولياتها تجاههم، دون فضل أو منة، فالتواصل مستمر بين السفارة والمواطنين بشكل واضح، سيما يوم الجمعة من كل أسبوع، حيث يتوافد أبناء المملكة على السفارة لأداء صلاة الجمعة، وحضور حفل الاستقبال والغداء، إذ يخلق ذلك أجواء عائلية سعودية، ويشكل فرصة لأن أستمع إليهم، وأطمأن على أحوالهم بشكل شخصي ومباشر. ثم إن الجميل في هذا اللقاء هو حرص السعوديين على حضوره، فهو يمثل لهم فرصة لتعزيز الترابط فيما بينهم في الغربة، فكما تعلم بريطانيا بلد كبير، والطلبة السعوديون يدرسون في عدة جامعات، وفي مدن متباعدة، لذلك كان يوم الجمعة المبارك فرصة لهم ولنا لتحقيق ذلك. لكن بجانب هذا اللقاء، فإن السفارة لا تنتظر المواطن حتى يصل إليها، بل نسعى إلى التواصل مع المواطنين في مواقعهم، سواء كانوا طلبة أو ممن قدموا للعلاج، وهذا التواصل جزء مهم من مسؤولياتي كسفير لخادم الحرمين الشريفين، ونحن حريصون على القيام به، فالمواطن في أي مكان من المملكة المتحدة من واجبات ومسؤوليات السفارة أن ترعاه، وتحرص على راحته وسلامته، وتيسير وتسهيل تعاملاته مع جميع الملحقيات والمكاتب السعودية، بما يتوافق مع الأنظمة والتعليمات والمصلحة العامة، ولا يفوتني أن أشيد بالجهود الكبيرة التي بذلتها وتبذلها الملحقية الثقافية، حيث مرحلة متقدمة من المرونة في العمل، بما يتيح للطالب أو الطالبة التواصل معها، من مقر إقامته في كل الإجراءات الخاصة بالابتعاث. فالهدف من كل عمل نقوم به في السفارة، بعد رضى الله سبحانه وتعالى، هو خدمة بلادنا الكريمة وتحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، في رعاية أبناء هذا الوطن الكريم، والاهتمام بشؤونهم، فالمواطن أولا كما أكد ذلك خادم الحرمين الشريفين في أكثر من مناسبة.

• من واقع اطلاعكم على كل ما يتعلق بشؤون الطلاب المبتعثين في المملكة المتحدة، ما أبرز المعوقات التي ترون ضرورة العمل على تذليلها أمام العملية التعليمية؟

التحدي الكبير أمام أبنائنا وبناتنا المبتعثين هو في كيفية تحقيق التفوق العلمي، لذا فقد قامت السفارة وملحقيتها الثقافية بوضع كافة العناصر الضرورية لنجاح المسيرة التعليمية لهم، لكن بالطبع توجد بعض التحديات التي تتعلق ببيئة الدراسة، وهي بيئة جديدة كليا على غالبية المبتعثين، وهذا الأمر يتطلب تكيفا وتأقلما من جانب الطلبة والطالبات مع هذه البيئة، لكن أود التأكيد أن عملية التكيف هذه لا تعني بأية حال التفريط بالواجبات، أو أن تكون على حساب قيم ومبادئ ديننا الحنيف، وقد برهن المبتعثون بإصرارهم وعزيمتهم على تجاوز الاغتراب، وكل عقبة أو صعوبة تقف في طريق تحقيق آمالهم.



الخلافات الأسرية

• لا شك أن هناك ملفات تعرض على السفارة لمشكلات تواجه المبتعثين.. هلا يحدثنا سموكم عن أبرز هذه المشكلات؟

المبتعثون أثبتوا مع مرور الأيام نضجا في التفكير وفي التعامل مع ظروف الغربة، وإن كان هناك قضايا تعالجها السفارة فهي لا تخرج عن معالجة تأثير هذه الغربة على حياة المبتعث الأسرية، فالقضايا في مجملها تتعلق بإصلاح ذات البين بسبب الضغوط الحياتية وتعقيدها. والسفارة من خلال ملحقيتها الثقافية حريصة على تفعيل النشاط الثقافي لدى الطلاب وأهمية حثهم على التواصل الإيجابي مع المناخ الأكاديمي في الجامعات البريطانية، لتحقيق بناء شخصية علمية وكفاءة أكاديمية منطلقة في الوقت نفسه ومعتمدة على ثوابتنا الدينية والفكرية وقيمنا الراسخة، وعلى اهتمام الأندية الطلابية بالرعاية الفكرية والتواصل المثمر معهم، لتحصينهم من بعض الأفكار والتوجهات التي تستهدف الوطن وتتناقض مع هذه الثوابت. وإجمالا، فإن هذا النجاح لبرنامج الابتعاث للطلبة والطالبات يدفعنا للنظر إلى طلابنا والقضايا التي يعانون منها نظرة إيجابية، إذ يجب علينا أن نحسن الظن بهم، كونهم يسعون وراء هدف نبيل يتمثل في اكتساب العلم والمعرفة، بما يسهم في تقدم وازدهاربلادنا.



ثقافات العالم

• برنامج خادم الحرمين للابتعاث يعد نقلة للاقتصاد المعرفي للمجتمع السعودي، كيف يرى سموكم استشعار ذلك بين المبتعثين؟

ـــ هنا أعبر عن سعادتي وابتهاجي وفخري وأنا أرى عدد الخريجين والخريجات يتضاعف مع كل دفعة، وتجلى ذلك في الدفعة الثانية حيث تضاعف عدد الخريجين ثماني مرات تقريبا، ليصل إلى ما يزيد على أربعة آلاف وخمسمائة خريج وخريجة، حصدوا درجات علمية جامعية في تخصصات ومجالات متعددة. ولعل الطلبة هم أول من يستشعر أهمية برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، فأبناء الوطن لم يتركوا تخصصا علميا إلا نالوه، ولا شهادة أو تقديرا أو تميزا إلا أدركوه، ولا مجالا من مجالات العزة والتقدم ترتفع فيه هاماتهم، ورايات بلادهم، وهمم إخوتهم وأخواتهم، إلا خاضوه واجتازوه بما يشرح الصدر ويثلج النفس ويسر الخاطر من تفوق وامتياز. وهذا يؤكد استشعارهم للدور الذي ينتظرهم عندما يشاركون، بإذن الله، إخوتهم وأخواتهم، الذين سبقوهم، والذين سيلحقون بهم، في تجسيد رؤية قيادية مستقبلية بعيدة المرمى، عقد فيها ذلك القائد المتفتح البصيرة، والدنا وقائدنا، خادم الحرمين الشريفين، أمله، بعد التوكل على الله، على أبناء وبنات وطنه ليكونوا، بإيمانهم وعلمهم، ركائز إعلاء بناء الوطن، ومواصلة مسيرة التنمية الشاملة المستدامة فيه لعقود مديدة في المستقبل.. فالناظر والمتمعن يرى أن برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي يمثل مبادرة متميزة تجسد رؤية قيادتنا الرشيدة وبصيرتها الثاقبة التي ترى بأن التقدم، للوطن والمواطن، لا يتحقق إلا بالتعليم المستنير، القائم على التوازن الدقيق بين ثوابتنا الثقافية والفكرية والأخلاقية، وقفزات التقدم العلمي والاقتصادي والاجتماعي الحديثة، مع الانفتاح، في نفس الوقت، على ثقافات العالم وحضاراته.

• كان للسفارة قصب السبق في تكريم المتميزين من المبتعثين كل عام، هل سيتحول هذا التكريم لجائزة ترعاها السفارة؟

هذا التكريم بدأ ليستمر، وبنفس القدر من الحرص على تكريم المتميزين من المبتعثين، فالسفارة حريصة على تطوره بالشكل الذي يبرز فخرنا واعتزازنا بأبنائنا وبناتنا المتميزين في مختلف ميادين العلم، كما أن هذا التكريم يهدف لأن يكون حافزا لبقية المبتعثين، لأن يبرزوا في مجالات جديدة، فحرص المبتعثين على التميز أمر لا يمكن أن نشك فيه، لكننا نحرص على مضاعفة أعداد المتميزين من خلال هذا التكريم الذي يتم في السفارة، والذي يتزامن مع الاحتفالات باليوم الوطني لدولتنا أعزها الله وحماها.



سحب الترخيض

• تضرر أكثر من 200 مبتعث من قرار السلطات البريطانية سحب الترخيص من جامعة مترو بوليتان، ما الحلول التي كفلتها السفارة لحسم القضية وحفظ مصلحة المبتعثين؟

هذه القضية وغيرها من القضايا التي تتعلق بالطلبة هي شغلنا الشاغل سواء كان الطلبة مبتعثين أو دارسين على حسابهم الخاص، وتم ولله الحمد معالجة هذه القضية ومساعدة المبتعثين على الالتحاق بجامعات أخرى، وكذلك جرى مساعدة الدارسين على حسابهم الخاص، وهنا أود أن أشيد بسرعة تفاعل الملحقية الثقافية في السفارة مع هذه القضية، وتدارك التداعيات السلبية التي كان سيعاني منها أبناؤنا وبناتنا الطلبة، فالتجاوب السريع والبحث عن بدائل مناسبة كانا ضمن أولوياتنا في حفظ ومتابعة حقوق طلابنا.



لا قضايا على السعوديين

• كيف تقيم السفارة التزام السعوديين بالأنظمة الأمنية بالمملكة المتحدة، وما نوع القضايا التي تسجلها الجهات الأمنية في بريطانيا؟

حسب المعلومات المتوفرة، لا توجد قضايا أمنية كبيرة أو صغيرة مسجلة ضد السعوديين، وهذا سجل نسعد به هنا في بريطانيا، ونفخر بأن السعوديين على وعي وإدراك بأهمية الالتزام بأنظمة البلد المستضيف في جميع المجالات.



سرقة السائح السعودي

• لندن وجهة سياحية يقصدها السعوديون باستمرار، وكثيرا ما يتعرضون لعمليات تستهدف أمنهم وراحتهم.. فما أبرز القضايا التي باشرت السفارة معالجتها للسياح السعوديين؟

من أبرز ما يتعرض له المواطن السعودي هنا هو السرقة، ونصيحتنا الدائمة لمواطنينا هي التواصل مع سفارتهم حال وصولهم للمملكة المتحدة وتسجيل جوازات سفرهم وأماكن إقامتهم، ليتسنى لنا في السفارة التواصل معهم في حالة حدوث أي مكروه لهم لا سمح الله، وهذا التواصل لمن لا يدرك أهميته له أهمية كبرى في العناية بالسعوديين، لذا أشدد على أهمية الزيارة أو الاتصال بالسفارة، وتزويدها بالمعلومات المطلوبة، كما ننصح القادمين للسياحة بأن يحرصوا على اختيار الأماكن التي يرتادونها.



علاقاتنا مؤثرة

• كيف يصف سموكم متانة العلاقات السعودية البريطانية ونموها في كافة المجالات من خلال القواسم المشتركة بين البلدين؟

أود أن أؤكد أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة علاقات وثيقة وفي تطور دائم لما يخدم مصلحة البلدين، فالشراكة بين البلدين تقوم على أسس من صداقة وفعالية متطورة ومتنوعة، ولها جذور راسخة في عمق تاريخ العلاقات بين البلدين الصديقين، كما أن استمرار هذه العلاقات وتطورها ونموها إنما هو أمر إيجابي لمصلحة كلا البلدين بشكل خاص، وللعالم بشكل عام، فالبلدان يشتركان في هموم وقضايا كثيرة لا يمكن حلها بشكل فوري، وإنما تحتاج إلى فهم عميق وإجراءات حكيمة تتناسب مع تعقيدات الثقافات والعادات وكذلك التحديات من خلال الحوار، ولذلك فإن الحوار الاستراتيجي قائم بالفعل بين البلدين وعلى مستوى قيادتي المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة وكبار المسؤولين من الجانبين.



حوار الأديان

• كيف ترون تفاعل البريطانيين مع إطلاق خادم الحرمين حوار الأديان وكيف يرى تفاعل البريطانيين ونظرتهم لهذه المبادرة العالمية؟

لا أبالغ إن قلت إن هذا منجز للإنسانية، وذاك أمر يؤكده تقدير المجتمع الدولي بمنظماته وبدوله لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الإنسانية للحوار بين أتباع الأديان والثقافات.

ثم إننا نستطيع أن نرى استجابة المجتمع الدولي لهذه الفكرة ونظرته لهذه المبادرة العالمية من خلال التفاعل مع الإجراءات التي اتخذت لوضع هذه المبادرة الإنسانية موضع التنفيذ، وعلى أساس تنظيمي، وفي إطار مؤسسي يضمن استمرارها، ويضمن تفعيل الحوار بين أتباع الأديان والثقافات.

إذ نجد هذا التفاعل في المؤتمرات التي عقدت منذ إطلاق المبادرة، حيث عقد مؤتمر مدريد واجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة في 2008 وغيرها من المؤتمرات، وآخرها في شهر نوفمبر الماضي حيث جرى تدشين مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا، بشراكة دولية تضم المملكة العربية السعودية والنمسا وإسبانيا والفاتيكان.. لذلك نعتبر أن مبادرة خادم الحرمين هي مبادرة تاريخية بكل ما تعنيه الكلمة، كونها تحرص على حفظ كرامة الإنسان، وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة بين شعوب العالم.